سيرته وشعره ورسائله وهجراته بعين أميركية
لماذا ارتكب رامبو الهجرتين:
الشعر وبلاده؟
بعد انقضاء نحو 112 سنة على وفاته، لا يزال المؤرخون الأدبيون، ليس في فرنسا فقط، بل في كثير من الدول الغربية الأخرى، وخاصة في الولايات المتحدة يبذلون من الجهد وينفقون من الوقت الكثير في كتابة سيرة ذاتية قد تلقي شيئاً من الضوء على كثير من البقع السود التي خلّفها كتّاب سيرة حياة الشاعر آرثر رامبو السابقون.
وقد شهدت الولايات المتحدة وحدها خلال السنوات الأخيرة عدداً من التراجم الذاتية والترجمات التي تُوّجت بكتاب "رامبو"، تأليف غراهام روب والذي أجمع النقاد الأميركيون على أنه ربما كان أفضل سيرة ذاتية وضعت عن الشاعر، بما فيها مئات الكتب الصادرة في بلده فرنسا.
ومع هذا الفيض من التراجم الذاتية لا يزال السؤال الكلاسيكي القديم يتجنب الرد عليه، ألا وهو: لماذا هجر ـ شاعر كتب في سن 16 سنة ما يعد قصيدة غنائية فرنسية في القرن التاسع عشر، وهجر الشعر في سن العشرين، والمقصود بطبيعة الحال هو قصيدة "الزورق السكران" تلك القصيدة التي حملها ذلك الفتى الهارب من البيت، مبكر النضوج إلى باريس ليقدّم نفسه بها لبول يرلين، تلك الاستعارة العظيمة التي يقول غراهام روب أن رامبو كتبها في "غرفة انتظار شبابه" والتي جعلت ارتحالات الزورق مألوفة لمعظم أطفال المدارس الفرنسيين، برغم أن كثيراً من رحلات الشاعر الريادية مجهولة تماماً.
فما هي تلك الحياة التي ولدت هذه الشخصية؟
ولد رامبو في عائلة بورجوازية فرنسية في 1854 (هجر أبوه الضابط بسلاح المشاة زوجته وأولاده الأربعة)، وقد أوقف رامبو سنواته المبكرة لممارسة تدريبات أدبية في تحد لأمه التقليدية، وتخللت تلك السنوات عدة محاولات هروب من البيت وعدة عودات، بعضها في صحبة الشرطة. وعندما غزا الغلام الجامح الحياة الأدبية في باريس بعد الحرب الفرانكو ـ بروسية، ارتبط بيرلين حيث الزواج، وفي النهاية أطلق يرلين رصاصة في رسغ الصبي لمحاولة هجره في بروكسل.
وفي 1874 نبذ رامبو الأدب وعبر مرة أخرى بحر المانش ليدرس اللغة الإنكليزية ليصبح رحالة وتاجراً. وبعد السفر في ألمانيا وهولندا، فر من الجيش الاستعماري الهولندي الذي كان قد التحق به بعد وصوله إلى باتافيا (جالاتا اليوم) بثلاثة أسابيع وعاد إلى فرنسا. ولم يمض وقت طويل على عودته حتى رحل من جديد إلى الشرق، وعمل في شركة بناء في قبرص، وفي 1880 كان يعمل لشركة بن في عدن، وقد استكشف الصومال وشمال شرقي افريقيا وبحلول 1886، كان يعمل في تهريب السلاح لحساب ملك شلوا (اثيوبيا الوسطى). وفي سنتيه الأخيرتين، اشتغل في منصب تجاري نادر في هارار، شرقي أديس أبابا، حيث كان يصدر البن والجلود والمسك ويستورد البنادق. وفي 1891، أصيب بورم بركبته اليمنى وعاد إلى فرنسا حيث بترت ساقه. وانتشر المرض، الزهري فيما يعتقد، في جسده، وتوفي رامبو في 1891 في سن 37 عاماً.
هذه هي حياة رامبو في سطور. ومن المنطقي ألا يتوقع القارئ أن يجد فيها الرد على السؤال... لماذا ترك رامبو كتابة الشعر فقط. بل كل ما يمت بصلة بعالم الأدب الذي اقتحمه كالعاصفة في سن 16 سنة ولم يكد يتجاوز العشرين. ولكن كتاب غراهام روب "رامبو" نفسه الذي يقع في 552 صفحة لم يجب عن هذا السؤال.
تقول روث فرانكلين ان أعمال الشاعر تفيد في العادة كترياق الميل إلى الأسطورة، أو خلق الأساطير، لكن المادة التي خلفها رامبو محدودة وغامضة معاً. فأعماله الكاملة... أقل من مائة قصيدة قصيرة، ونص "فصل في الجحيم" المؤلف من سبعة آلاف كلمة نثرية وقصائده النثرية المعروفة باسم "إشراقات"، إلى جانب مائتين وخمسين رسالة تقريباً وحفنة من النصوص الأخرى ـ لا تكاد تملأ جزءين. والشعر، الذي خلّفه، يتراوح بين الشعر الملهم والشعر الصبياني، وكثير من الرسائل تتضمن أكاذيب صريحة، بينما هناك رسائل أخرى متشظية أو مشكوك في نسبتها وأصالتها. بينما تقدم المصادر الثانوية مشاكل إضافية: مذكرات أقارب رامبو، وأصدقائه، وأصدقائه السابقين تشكل نشازاً من المشاجرات، وهي في الغالب مشكوك في صحتها فيما يميل النقاد إلى استخدامه كمرآة لانشغالاتهم الخاصة، ويقول كاتب سيرته الذاتية غراهام روب أنه قد بعث "كشاعر رمزي وسوريالي وBeat، وثائر طلابي، وكاتب أغاني روك، ورائد للحركة المثلية ومدمن مخدرات ـ ملهم"، وأنه قد أثر على فنانين، من بينهم بابلو بيكاسو. ومع ذلك، لا تزال الأسئلة الحاسمة عن حياة رامبو وشعره تنتظر الاجابة: كيف أمكنه أن يكتب شعراً مثل شعره في مثل سنه؟ ولماذا هجر كتابة الشعر إلى الأبد؟
وإلى جانب كتاب غراهام روب، الذي يعتبر أشمل دراسة عن الشاعر تنشر باللغة الانكليزية خلال خمسين عاماً، أصدرت المكتبة الحديثة "رامبو كاملاً" ترجمة وتحرير وايت ماسون. ويتضمن المجلد الذي صدر في العام الماضي جميع أعمال رامبو الشعرية باللغتين الفرنسية والانكليزية إلى جانب كتاباته غير الكاملة التي تتراوح بين موضوعات إنشاء مدرسي باللغة اللاتينية إلى شذرات شعرية أعاد معارفه بناءها. وأخيراً صدر كتاب "أعد بأن أكون شخصاً صالحاً: رسائل آرثر رامبو". ويضم أضخم مختارات من مراسلات الشاعر تنشر باللغة الانكليزية.
وفي مقدمته لهذا المجلد الثاني يحتاج وايت ماسون بأن رسائل رامبو كفيلة بأن تميط اللثام عن الرجل المتزن وان تشوش الأسطورة. فالرسائل لا تبيّن فقط أن رامبو يمكن في الغالب أن يكون شخصاً كريهاً وثقيل الوطء، بل تبيّن أيضاً أنه بعد أن توقف عن كتابة الشعر لم يعاود التفكير في قراره على الاطلاق. وقد كتب ألبير كامي ذات مرة يقول... لكي تظل الأسطورة ينبغي ألا يطلع المرء على هذه الرسائل الحاسمة.
الأسطورة
وتبدأ الأسطورة في لحظة مولد رامبو، في 20 تشرين الأول 1855 في بلدة صغيرة تدعى شاريل. ويقول البعض انه ولد بعينين مفتوحتين، كعلامة للكاشف الذي سوف يصبحه، ويدعي آخرون أن الرحالة المستقبلي قد فاجأ القابلة بالزحف نحو الباب. وفي خطواته لم يظهر رامبو أي اهتمام يذكر بتطلعات الصبا، لكن كتاباته المدرسية جلبت له الشهرة بالعبقرية. وعندما اشترك في أمسية شعرية اقليمية في سن الخامسة عشرة، نام خلال الساعات الثلاث في الأمسية ثم تناول طعام الافطار الذي طلبه، وسلم قصيدته في نهاية الوقت ثم فاز في المسابقة.
وترجع بضع الرسائل المتبقية إلى هذه الحقبة تقريباً. وهي تبيّن من البداية مزيجاً غريباً من الحسم والمداهنة وهو ما يمكن أن يسم علاقاته على مدى حياته. وحتى في مذكرة مخطوطة لمدرسه جورج إيزامبارد، يتجلى ولع رامبو بالدرامي في طريقة كتابته. وفي رسالة كتبها بعد بضعة أشهر إلى الشاعر تيودور دي برانيل، محرر انتولوجيا "البارناس المعاصر" يعكس إحساسه بإنكار الذات من ناحية وافتتانه بوجوده الخاص من ناحية أخرى. "عزيزي الأستاذ، حاول أن تتحلى بالصرامة أثناء قراءة قصائدي: سوف تجعلني سعيداً أيما سعادة ومفعماً بالأمل إذا وجدت مكاناً صغيراً لها بين البارناسيين... طموح! يا له من جنون!".
تجد طيه ثلاثة نماذج من أحدث أعمال الشاعر البالغ من العمر 15 سنة، من بينها "إثارة":
عبر ليالي الصيف الزرقاء سوف أعبر
على امتداد الممرات
يوخزني القمح. داهساً العشب القصير:
حالماً، سوف أشعر ببرودة تحت القدم،
وأدع النسائم تحمم رأسي العاري.
لا كلمة، لا فكرة
سوف يشب الحب غير المحدود عبر روحي،
وسوف أهيم بعيداً، متشرداً
في الطبيعة ـ سعيداً سعادتي مع امرأة.
ومثل لوحة مونيه "انطباع: شروق الشمس، التي أطلقت الحركة الانطباعية بعد بضع سنوات فقط، يعلق روت فرانكلين في دراسة تحليلية لرسائل رامبو، تقطر هذه القصيدة الغنائية المنمنمة أعمال أسلافها بطريقة أصيلة كلية. إن استعمال "الأزرق" لوصفه ليالي الصيف (استخدم في مسودة مبكرة كلمة "الجميلة" الأكثر تقليدية) يتطلع إلى رامبو السوريالي في السنوات القليلة القادمة، بتأكيدها على ما يشعر به المتحدث وليس ما يراه، تغمس السطور التالية لذلك شعر الطبيعة البارناسي في نشوة الحسية.
وفي أيار 1871، كتب رامبو الرسالتين اللتين أصبحتا تعرفان بـ"رسائل الكاشف"، البيانان الوحيدان الصريحان عن عقيدته الشعرية. وتبدأ الرسالة الأولى الموجهة الي إيزامبارد بإهانة شعر المدرس الموضوعي الجاف مثل الغبار، وتتضمن أغنية قصيرة تصف بطريقة فجة جماعاً شاذاً. ثم يتساءل "لماذا؟ أريد أن أكون شاعراً، وانني أعمل لتحويل نفسي إلى كاشف (أو عراف)... وهذا يتطلب أن تشق طريقك نحو المجهول عن طريق تعطيل كل الحواس.... إنني شخص ما آخر... والرسالة الثانية، أرسلت إلى صديق إيزامبارد بول ديميني، تكرر وتتوسع في إعلانه الذي سرعان ما سوف يصبح شهيراً. "ان المهمة الأولى لأي رجل سيكون شاعراً هي أن يعرف نفسه تماماً، أن يسعى إلى روحه، ويتفقدها، ويختبرها، ويعرفها". "إن الشاعر يحوّل نفسه إلى عراف عن طريق عملية طويلة منطقية ومنخرطة طويلة لتعطيل جميع الأحاسيس. كل ضرب من الحب، والمعاناة، والجنون، إنه يفتش في نفسه، ويستنزف كل سم محتمل حتى لا يبقى إلا الجوهر". وقد قيل الكثير عن حقيقة أن رامبو قد أضاف إلى دعوته العملية تعطيل جميع الحواس القيود...
"منطقية ومنخرطة وطويلة"، طارقاً أبواب الادراك الحسي بدلاً من اسقاطها. لكن الاحساس هو نفس الشيء إلى حد كبير، وتقول روث فرانكلين: يعتزم رامبو أن يحوّل روحه من الداخل إلى الخارج، وأن يخضع نفسه لأية تجارب روحية، وعاطفية وفيزيقية يمكنه أن يصممها. "أنا" تصبح "آخر" عن طريق ما الذي يعنيه أن تكون "أنا".
يرلين
لكن رامبو لم يستطع أن يحقق ذلك بمفرده. وفي أيلول 1871، سعى من جديد إلى راع، فكتب إلى بول يرلين الذي كان يعرف ويعجب بشعره، مرفقاً برسالته نموذجاً من أحدث قصائده. ورد عليه يرلين "تعال، أيتها الروح العظيمة العزيزة. نحن نفتقدك ونشتهيك". وأرفق هو الآخر ثمن تذكرة القطار إلى باريس برسالته.
كان يرلين، ذو السبعة والعشرين عاماً، سكيراً، وشاذاً جنسياً وذواقة للفنون، ورجلاً عنيفاً لا يتردد في ضرب عروسه الحامل من وقت إلى آخر. وقد عمّق وجود رامبو في بيت يرلين توتر علاقته بزوجته فاضطر إلى إيجاد مكان يقيم فيه بين أصدقائه. إلا أن سلوك رامبو الشاذ (وجدته إحدى مضيفاته عارياً على سطح البيت، بينما راح يقذف ثيابه في الشارع) وعاداته أصبحت نموذجاً للشعراء الذين أطلقوا على أنفسهم "الشعراء الأشرار"، قاطع رامبو قراءة شاعر في نهاية كل بيت من الشعر بصياغة Merde! وطعن شاعراً آخر بخنجر. ولكن، حتى بينما كان أصدقاء يرلين تروعهم هذه المزحات، كانت نسخ من قصيدة رامبو غير العادية "الزورق السكران"، التي أصبحت فيما بعد أشهر قصائده، يجري توزيعها بينهم. وقد علق أحد الشعراء الأشرار على ظهور رامبو بينهم في باريس بقوله "ما لم يكن هذا إحدى حيل القدر الخبيثة، نحن نشهد مولد عبقرية".
فرار
وفي صيف 1872، فر يرلين ورامبو معاً للمرة الأولى، بادئين سلسلة من علاقات التلاقي الحميمة والهجر العنيف وقد استمر شهر عسلهما الأول بضعة أسابيع فقط قبل أن يعود يرلين إلى زوجته. وبحلول شهر أيلول، التأم شملهما من جديد في لندن. والمعتقد أن رامبو كتب جزءاً كبيراً من "الاشراقات" هناك، وبدأ أثناء زيارة لفرنسا كتابه "فصل في الجحيم" وبينما كُتب العملان نثراً، فلا يشتركان في شيء آخر. وبينما تروى قصيدة "فصل في الجحيم" بصوت شديد الدرامية متعدد الشخصيات، تتألف "الاشراقات" من نحو أربعين قصيدة نثرية تتناول موضوعات تتراوح بين عرض جانبي لفرقة سيرك إلى الحياة في المدينة. وقد كتب كلا العملين فيما بين 1872 و1874 تقريباً.
وتنتهي العلاقة بين الشاعرين نهاية فوضوية. وتكشف إحدى رسائل رامبو إلى يرلين القليلة المتبقية (أتلفت ماتيلد زوجة يرلين معظمها) وتحمل تاريخ 4 تموز 1873، عن صورة غير عادية لرامبو البائس الوحيد في لندن. وكان يرلين قد عاد مرة أخرى إلى زوجته. عد إليّ، يا صديقي العزيز، يا صديقي الوحيد. عد إليّ. إنني أعدك بأن أكون انساناً صالحاً". ويرد يرلين ببرقية يقول فيها "إن حياتي هي حياتك" ويستدعيه للقاء في بروكسل حيث تشاجرا بعد بضعة أيام فخرج يرلين وابتاع مسدساً وعاد ثملاً. وعندما قال رامبو أنه يعتزم أن يعود إلى باريس أطلق يرلين عليه النار فأصاب ذراعه. وألقي القبض عليه وعومل معاملة مهينة على أيدي أطباء الشرطة. وحكم عليه بالسجن لمدة عامين. وقد رآه رامبو مرة واحدة أخرى في بداية 1875، بعد تحول يرلين إلى المسيحية. وكتب رامبو في رسالة إلى صديق يقول "جاء يرلين منذ يومين إلى هنا، وفي يده مسبحة. وبعد ثلاث ساعات نبذ ربه ونكأ من جديد جراح مخلصنا الـ98".
وفي 1878 عمل رامبو في قبرص كملاحظ عمال في أحد المحاجر. وقد عكس في رسالته الأولى من قبرص العزلة التي سوف تسم بقية حياته "تقع أقرب قرية على بعد ساعة من المشي على الأقدام. لا شيء هناك غير خليط من الصخور، ونهر والبحر. ليس هناك بيوت. لا تربة لا حدائق، لا أشجار. وبطبيعة الحال لا شعر. وفي أيار 1880، انتقل إلى عمل جديد كملاحظ بناء لقصر الحاكم ـ العام، لكنه أبلغ أسرته بعد بضعة أشهر بأنه قد غادر قبرص... بعد خلافات مع المحاسبة ولكن الحقيقة كما رواها صديق له في افريقيا، أوتو رينو روزا، هي أنه حاول إلقاء حجارة على صدغ أحد العمال المحليين فأرداه قتيلاً في الحال. وقد أشار روزا إلى أن الحادث قد وقع عرضاً، ولكن فرار رامبو السريع من قبرص أثار حوله الشكوك.
وصل رامبو إلى عدن في آب 1880، ووجد في الحال عملاً في مكتب الفريد باردي، تاجر بن "إنني أتمتع بثقة صاحب العمل الكاملة". وخلال الاحدى عشرة سنة القادمة تنقل رواحاً ومجيئاً بين شمال وشرقي افريقيا، مؤسساً قاعدة للشركة في هارار، في الحبشة.
هناك كان يقود عربات تجرها الثيران متوغلاً في افريقيا، وقد أرسلت معظم خطابات هذه السنوات التي تزيد عن مائة وخمسين إلى أمه وشقيقته إيزابيل، اللتين كان يخاطبهما رسمياً بعبارة "صديقتي العزيزتين". وتشكل طلبات إرسال كتب، وأدوات علمية، أو أية خدمات أخرى تيمة دائمة. وكانت طلباته لا نهاية لها: وفي إحدى المرات طلب بندقية لصيد الأفيال وبعد حين أنفقت أمه ثروة صغيرة لشراء معدات فوتوغرافية. ولا تخلو رسالة تقريباً من تعليمات محددة لكيفية إرسال هذه المواد مما يبيّن مدى صعوبة تلبية طلباته المتناقضة في أغلب الأحيان ولا غرابة إذن، أن ترفض أمه في مرحلة ما أن تلبي طلبه. "ليست هذه هي الطريقة لمساعدة رجل على بعد آلاف الفراسخ من الوطن، مسافراً بين أقوام متوحشين، وبدون مثيل واحد حيث يقيم" وقد أجاب رامبو غاضباً "إذا كنت لا أستطيع أن أطلب خدمات من أسرتي، فمن، بحق الجحيم، يفترض أن ألجأ إليه؟" ثم طلب بضعة كتب أخرى!
لكن حياة رامبو في افريقيا لم تكن بالقتامة التي يوحي بها رثاؤه لحاله هذا. فقد أكد عدد من أصدقاء هذه الحقبة، استناداً إلى (شخص ما آخر: آرثر رامبو في افريقيا، 1880 ـ 1891) تأكيد تشارلس نيلول، انه كان متحدثاً جذاباً ورجل أعمال شديد الأصالة غمس نفسه في ثقافة المنطقة. وخلال إقامته في هارار عاش رامبو مع امرأة حبشية لمدة عام ونصف عام. وكان لديه أيضاً خادم بلغ ولعه حداً جعله يوصي له وحده بكل ما يملك. وهناك شهادات عديدة عن مناقشاته القائمة علي معرفة للقرآن الكريم واهتمامه العميق بالثقافات الاسلامية. وقد كان رامبو يحمل خاتماً يحمل اسم عبده رينبو Abdoh Rinboo، وكان يعني هذا الاسم "رامبو عبد الله".
أحمد مرسي