هناك من يفسر هذا الميل الهيجلي بالسياق الخاص بهذا الفيلسوف الذي كان منشغلا بالبحث عن دولة قوية قادرة على تجاوز التأخر التاريخي والهوة الفاصلة بين الدولة الألمانية ومثيلاتها من الدول الأوروبية، التي كانت قد أنجزت ثوراتها الأولى، خاصة في فرنسا وإنجلترا. ولكن هذا الاعتراض لا يمنع مع ذلك من ملاحظة وتسجيل التصور السلبي والنظرة المتعالية التي استقبل بها مفهوم المجتمع المدني في الفلسفة السياسية الهيجلية.
على أن هذه النظرة لا تعني التهميش الكلي والرفض المطلق للمفهوم. فمن المعروف أن هيجل جعل المؤسسات المدنية تحتل موقعا وسطا بين مؤسسة العائلة من جهة أولى، ومؤسسة الدولة من جهة ثانية. تتركز وظيفتها الرئيسية في الإنتاج الاقتصادي وإشباع الحاجيات المادية وتبادل الخيرات والمنافع. على أن تتحمل ذلك طبقة بورجوازية صاعدة، يجب تشجيعها باستمرار. ولم يفت هيجل أن يلاحظ ما يمكن أن ينتج عن هذا التوجه الليبرالي من آثار سلبية، كإنتاج التراتبيات الطبقية، والتهميش الاجتماعي والفقر. لذلك سيلح على دور الدولة في مراقبة وضبط جموح المجتمع المدني، في نفس الوقت الذي يجب عليها أن تساعد على خلق تكثلات واتحادات وطوائف تعمل دائما على مقاومة هذه النتائج السلبية، وذلك بتقديمها لخدمات اجتماعية في مجال التعليم والصحة والعمل. بحيث نعود هكذا إلى أطروحة الدولة المطلقة، الدولة المثل الأعلى، ذلك الثابت الروحي والعقلاني، الراعي للنظام والانسجام، والمحافظ عليه.
أما بالنسبة لماركس، فقد استعمل هذا المفهوم لأول مرة سنة 1843 في مؤلفات الشباب، وذلك بمعنى قريب من المعنى الذي استعمله به هيجل. وذلك راجع لتأثر ماركس الشديد في هذه الفترة بهذا الفيلسوف. على أن الموقع الأخير لهذا المفهوم في المنظور الماركسي الناضج، لن يتحدد إلا بعد تمكن ماركس من بناء نسقه النظري بكيفية تامة مع كتاب رأس المال. ففي هذا الكتاب، وفي ذلك التمييز الكلاسيكي بين البنية التحتية والبنية الفوقية، سيعتبر المجتمع المدني مكونا أساسيا من مكونات البنية الأولى، وذلك لأنه يمثل القاعدة المادية للدولة خاصة على المستوى الاقتصادي والإنتاجي. ومن ثمة فدوره حاسم في تحديد طبيعة البنية الثانية بما فيها من نظم وحضارة ومعتقدات وأنظمة حكم. هذا فضلا على أنه يمثل إحدى أهم مستويات وتمظهرات الصراع الطبقي الذي تحدث عنه ماركس طويلا، وذلك بسبب التناقضات التي تميز المصالح المادية لمكونات هذا المجتمع عادة.
إن الشائع بالنسبة للدراسات والأبحاث التي حاولت تقييم الإسهام الماركسي بخصوص فرضية المجتمع المدني، هو التركيز على ضعف هذا الإسهام وتواضعه. ولعل هذا الحكم صحيح إلى حد ما، إذا ما استحضرنا الآفاق الفكرية والإشكالات الفلسفية والسياسية التي كانت توجه التفكير الماركسي. ففكرة المجتمع المدني، في نهاية الأمر، فكرة تطورت في حضن الفلسفة السياسية الليبرالية. وماركس نفسه فضل استعمال مفاهيم أخرى، ارتأى أنها أقدر على تحليل المجتمع وفهم آليات ومنطق اشتغاله. غير أن هذا التوجه لم يمنع مع ذلك مفكرين آخرين تبنوا التحليل الماركسي جملة وتفصيلا من إعادة الاعتبار لهذا المفهوم، بل ومن إعطائه أبعادا جديدة ودلالات مغايرة. وهذا بالضبط ما سيقوم به الفيلسوف والمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، ابتداءا من سنة 1920.
مفهوم المجتمع المدني: الأصول الأولى والامتدادات اللاحقة
I – نظرية التعاقد: الأهداف
لوك روسو هوبز
ـ حفظ الحياة ـ الوصول إلى التزام ـ ضرورة الخروج
ـ حفظ الحرية حر وطوعي وإرادي من حالة الطبيعة
ـ حفظ الملكية بين الأفراد. وتجاوز آثارها
ـ طاعة السلطة المدمرة.
السياسية ما دامت السلطة ملتزمة بحماية حقوق الأفراد على أساس قوانين مشروعة متفقا عليها
ـ تجاوز المنظور الديني،الكنسي للدولة.
ـ وضع اللبنات الأولى للمنظور السياسي الليبرالي.
ـ وضع اللبنات الأولى للحداثة السياسية.
II – الامتدادات
الإيجابية السلبية
ـ آدم فرجسون: كتاب مقال ـ هيجل: المجتمع المدني كمجال للإنتاج في تاريخ المجتمع المدني الاقتصادي مليء بالتناقضات في حاجة
ـ توماس بين: كتاب حقوق دائمة إلى الدولة.
الإنسان. ـ ماركس : المجتمع المدني هو فقط مكون من مكونات البنية التحتية، ومظهر من مظاهر الصراع الطبقي.
مفهوم المجتمع المدني في فكر غرامشي السياسي:
لم يكن اهتمام أنطونيو غرامشي بمفهوم المجتمع المدني غاية في ذاته. بل كان مندرجا في إطار إشكالية أعم وأشمل، تتعلق بالبحث في كيفية تحقيق الثورة الاشتراكية في دولة غربية رأسمالية هي إيطاليا، في النصف الأول من ق20. لذلك سيعمل هذا الماركسي المجدد، على استنطاق التجربة الروسية، القريبة منه من الناحية التاريخية، وذلك بطرح التساؤل الرئيسي التالي عليها: ما هي الشروط والعوالم والأسباب التي ساعدت الطبقة العمالية في هذا البلد على الاستيلاء على السلطة؟ وهل اختلاف بنياته الاجتماعية والاقتصادية وكذا منظومة قيمه الثقافية عن مثيلاتها في إيطاليا، سيؤدي حتما إلى تغيير وتعديل الاستراتيجية العامة للثورة؟
في سياق التفكير الغرامشي في هذه الأسئلة وغيرها، سيرد لأول مرة تعبير المجتمع المدني. يقول غرامشي: يعود سبب انتصار الثورة في روسيا سنة 1917 إلى أن الدولة كانت تمثل كل شيء هناك تقريبا، مقابل هلامية وضعف المجتمع المدني. ومن ثمة كانت السيطرة على الدولة تقتضي السيطرة على المجتمع السياسي فقط (ما يسميه غرامشي بحرب الحركة Guerre de mouvement). بينما نجد الدولة في الغرب متلاحمة مع المجتمع المدني، الذي يقوم بمراقبتها وحمايتها في نفس الوقت. وهذا يعني أن استراتيجية تحقيق الثورة والوصول إلى السلطة، ينبغي تطويرها وتغييرها بما ينسجم والأوضاع الجديدة للدولة الأوربية الرأسمالية. بحيث ستقوم هذه الاستراتيجية أساسا على الهيمنة الإيديولوجية على مكونات المجتمع المدني بواسطة استخدام المثقف العضوي أو الجمعي لإنتاج رأسمال رمزي مضاد، مستعينا في ذلك بمؤسسة النقابة والحزب والمدرسة والكنيسة والإعلام.. (ما يسميه غرامشي بحرب المواقع-Guerre de positions). هذه الهيمنة، إذا ما كتب لها النجاح، فإنها ستسهل السيطرة على المجتمع السياسي، وبالتالي على الدولة.
إن المثير للانتباه في هذا الجواب الغرامشي هو صدوره عن مفكر ماركسي ومؤسس حزب شيوعي. وكلنا يعلم الدور الهامشي الذي خص به ماركس مفهوم المجتمع المدني. غير أن قدرة أنطونيو غرامشي على التعامل مع الوقائع المحلية والخصوصيات الوطنية للمجتمع الإيطالي هو الذي مكنه من تطوير النموذج النظري الماركسي في صيغته الكلاسيكية. بحيث سيكون أبرز معالم هذا التجديد هو المعجم السياسي الذي استعمله غرامشي لأول مرة، وكذلك نظريته العامة حول السلطة والدولة.
فبالنسبة للمعجم السياسي، نقتصر على ذكر المفاهيم التالية على سبيل التمثيل لا الحصر: الهيمنة في مقابل السيطرة، حرب الحركة في مقابل حرب المواقع، المثقف العضوي في مقابل المثقف التقليدي.
وبالنسبة لنظريته العامة حول السلطة، نجد أن غرامشي قد أشار في بدايات القرن العشرين إلى تلك الازدواجية التي تميز سلوك الدولة تجاه المجتمع. وهي الازدواجية التي ستصبح كلاسيكية منذ صدور الدراسة الهامة للوي ألتوسير في كتابه مواقف بعنوان (الإيديولوجيا والأجهزة الإيديولوجية للدولة). ففي هذا الكتاب سيبين ألتوسير كيف أن الدول في المجتمعات المعاصرة تفرض مشروعيتها بالاعتماد على آليات للعنف المادي من جهة أولى، وآليات للعنف الرمزي من جهة ثانية. وفي هذا المستوى الثاني، يصبح للإيديولوجيا قيمة كبرى، ودور محفز ودافع بالنسبة لكل تحول سياسي. لذلك سيتخذ مفهوم الإيديولوجيا عند غرامشي معنى إيجابيا وليس سلبيا كما هو الشأن عند ماركس. فهي "مفهوم للكون، يتجلى عبر الفن، والقانون، والنشاط الاقتصادي، وكل تمظهرات الحياة الفردية والجماعية". بل أكثر من ذلك، سيشكل اهتمام غرامشي بمسألة الإيديولوجيا، خاصة الإيديولوجيا المضادة (الثورية) التي يقوم المثقف العضوي والجمعي بإنتاجها، سببا في اهتمامه بمسألة الهيمنة كاستراتيجية حتمية لكل مشروع يستهدف تغيير طبيعة الدولة وطبيعة العلاقات الاجتماعية والاقتصادية. فهو يعرف الهيمنة بأنها موقع في الصراع الاجتماعي، لأن في كل المجتمعات تقريبا توجد طبقة سائدة تمارس الهيمنة عبر المجتمع المدني، والسيطرة عبر المجتمع السياسي. كما توجد طبقات خاضعة تحاول طليعتها الثورية أن تشكل هيمنة جديدة مضادة (Contre-Hégémonie)، لها فكرها وأخلاقياتها وفعلها الجديد، سواء على المستوى السياسي في المجال البرلماني والحزبي، أو على المستوى الاقتصادي في مجال النقابة والمصنع، أو على المستوى الثقافي والاجتماعي (دعوى غرامشي إلى التعامل البناء والإيجابي مع الثقافة الشعبية والفولكلور).
إن الخلاصة الأساسية لهذا التصور الغرامشي لمفهوم المجتمع المدني هي ارتباطه بمجموع التنظيمات الخاصة بوظيفة الهيمنة، وانتماؤه، أو على الأقل تداخله مع البنية الفوقية، باعتباره مجالا للتنافس والصراع الإيديولوجي، لا التنافس الاقتصادي، كما هو وارد في النماذج التحليلية التي تبناها كل من هيجل وماركس. والخطاطة التالية، ستمكن من فهم وضبط الموقع الخاص الذي يحتله مفهوم المجتمع المدني في علاقته بمختلف المتغيرات والبنيات المتحكمة فيه، أو المتأثرة به.
غرامشي: موقع مفهوم المجتمع المدني
الدولة = المجتمع السياسي + المجتمع المدني = الدولة
السيطرة عن ... الهيمنة عن ...
طريق استعمال وسائل طريق إنتاج الإيديولوجيا
القهر المادي والخطاب الرمزي
ـ من خلال الشرطة/الجيش ـ من خلال المثقف العضوي
ـ من خلال أجهزة الدولة ـ من خلال المثقف الجمعي:
الإدارية والمالية الكنيسة+المدرسة+الإعلام
والاقتصادية والقضائية +الحزب+النقابة
...الخ. ...الخ.
السيطرة على المجتمع السياسي الهيمنة على المجتمع المدني
(حرب الحركة) (حرب المواقع)
مفهوم المجتمع المدني في السوسيولوجيا المعاصرة:
لم تتداول السوسيولوجيا بكيفية واضحة مفهوم المجتمع المدني إلا في العقود الثلاثة الأخيرة، خاصة مع ازدياد اهتمام علماء الاجتماع بمسائل السلطة والأحزاب والنخب السياسية… بحيث سيشكل هذا المفهوم عنصرا أساسيا، في كل الأبحاث التي سعت إلى اكتشاف منطق وآليات اشتغال الحقل السياسي، وبالتالي إلى بناء نظرية عامة للسلطة منسجمة ومرتبطة بأوضاع وتجارب اجتماعية معينة.
إن هذا الاهتمام المتزايد بالمجتمع المدني تجسده كثرة الدراسات التي استعملته. لذلك فإننا لا نستغرب إذا لم نجد ولو كتابا واحدا في السوسيولوجيا السياسية يهمل الإشارة إليه. سواء باعتباره مفهوما تفسيريا، أو باعتبار إحالته على مجال من الفعالية والنشاط البشري.
غير أن الملاحظة الأساسية على التداول السوسيولوجي لهذا المفهوم هي غلبة الصياغة الإجرائية عليه. وهي صياغة تستهدف تقليص حدة التعارضات والتناقضات في الحقل الدلالي للمفهوم، وذلك بالتركيز على القواسم المشتركة والعناصر الثابتة، التي ألح عليها أغلب من ساهموا في تأسيس وبلورة هذا المفهوم، خاصة في أصوله الفلسفية البعيدة. على أن ارتباط الصياغة الإجرائية للمفاهيم بالسوسيولوجيا أمر معروف ومتداول في هذا العلم، ولذلك عدة أسباب، نذكر منها:
ـ الفائدة المنهجية العظيمة لهذه الصياغة بالنسبة للباحثين الذين ينجزون تحليلات قطاعية خاصة بمجالات اجتماعية محددة. لأن المفاهيم كما تحيا في النظريات الكبرى غالبا ما تشكل عائقا أمام المقاربة الميدانية التطبيقية التي تفرض شروطا خاصة على الباحث وما يحمله من عدة منهجية.
ـ التأثير الذي مارسته النظرية الوظيفية الأمريكية على السوسيولوجيا، خاصة ونحن نعلم أن التداول الإجرائي للمفاهيم غالبا ما يستحضر الوظيفة التي يلعبها المفهوم بالنسبة للنسق الاجتماعي أو السياسي.
ـ الأهمية التي يوليها العلم الاجتماعي لمسألة ضبط مفاهيمه بأكثر ما يمكن من الدقة والوضوح. فالمشروعية العلمية هي أكبر رهان وتحد تواجهه أغلب العلوم الاجتماعية اليوم.
ليس الهدف بطبيعة الحال من وراء الإشارة إلى هذه الأسباب هو إبراز ضعف التأصيل النظري للمفاهيم السوسيولوجية، حين تتبنى الصياغة الإجرائية. بل على العكس من ذلك هو إثبات كيف أن هذه الصياغة تحقق غايتين هامتين. الأولى هي استلهام واستثمار التاريخ الطويل للمفهوم، خاصة إذا كان تاريخا غنيا من الناحية الدلالية. والثانية هو توفير جهاز مفاهيمي سهل الاستعمال منهجيا وقابل للتطبيق عمليا. بحيث يمكننا في الأخير من دراسة وفهم الظواهر الاجتماعية بأكثر ما يمكن من الوضوح والعمق. ومفهوم المجتمع المدني، كما تداولته السوسيولوجيا المعاصرة، يستجيب تماما لهدف الأوصاف النموذجية كما سنرى.
جاء في كتب السوسيولوجيا السياسية أن المجتمع المدني هو مجموع المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع العامة، دون تدخل أو توسط الحكومة. وبذلك فإن الوظيفة الأساسية لهذا المجتمع إذا ما تمكن من الوصول إلى مرحلة التمأسس والتنظيم القوي والفعال، هي لعب دور الوساطة بين الفرد المواطن الأعزل والدولة القوية المطلقة السيادة. وهكذا فإن هذا التعريف يذكرنا بالطريقة التي فهمه بها هيجل.
انطلاقا من هذا التصور العام،سيعمل الباحثون في مجال العلوم الاجتماعية على الضبط الكمي والكيفي لمفهوم المجتمع المدني، سواء من ناحية القيم والأخلاقيات التي يدعو إليها، أو من ناحية المؤسسات والتنظيمات التي تجسد حضوره الفعلي داخل المجتمعات والدول. هكذا نجد الباحث حسنين توفيق إبراهيم يحدد هذا المفهوم باعتباره ممثلا "لمجموعة الأبنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية التي تنتظم في إطارها شبكة معقدة من العلاقات والممارسات بين القوى والتكوينات الاجتماعية في المجتمع، ويحدث ذلك بصورة دينامية ومستمرة من خلال مجموعة من المؤسسات التطوعية التي تنشأ وتعمل باستقلالية عن الدولة".
نفس هذا المنحى ستتبعه أغلب الندوات والحلقات الدراسية واللقاءات الفكرية التي انشغلت ببحث الإشكالات المرتبطة بموضوع المجتمع المدني. وذلك من خلال إصرارها على الانطلاق من تعريف إجرائي، يشكل أرضية عامة مشتركة يناقش على ضوئها هذا الموضوع. مثال ذلك، الندوة الهامة التي نظمت في بيروت سنة 1992، والتي اقترحت التعريف التالي: "المجتمع المدني، المقصود في هذه الندوة، هو مجموع المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال عن سلطة الدول لتحقيق أغراض متعددة، منها أغراض سياسية كالمشاركة في صنع القرار على المستوى القومي ومثال ذلك الأحزاب السياسية، ومنها أغراض نقابية كالدفاع عن المصالح الاقتصادية لأعضاء النقابة، ومنها أغراض مهنية كما هو الحال في النقابات للارتفاع بمستوى المهنة والدفاع عن مصالح أعضائها، ومنها أغراض ثقافية كما في اتحادات الكتاب والمثقفين والجمعيات الثقافية التي تهدف إلى نشر الوعي الثقافي وفقا لاتجاهات أعضاء كل جمعية، ومنها أغراض اجتماعية للإسهام في العمل الاجتماعي لتحقيق التنمية. وبالتالي يمكن القول أن الأمثلة البارزة لمؤسسات المجتمع المدني هي: الأحزاب السياسية-النقابات المهنية-النقابات العمالية-الجمعيات الاجتماعية والثقافية".
وعلى كل حال، ومهما كان التعريف الإجرائي المقترح، فإنه لا يخرج عن هذه الاعتبارات العامة. على أن الأساسي بالنسبة لمفهوم المجتمع المدني ليس هو فقط جانبه المؤسساتي، بل بالخصوص القيم والأخلاقيات والثقافة المدنية التي يساهم في نشرها داخل الجسم الاجتماعي بحيث تتحول إلى معايير وأسس تحكم السلوكيات وتوجهها. وفي هذا الإطار يمكن الإشارة على الأقل إلى الأركان التالية التي تقوم عليها ثقافة المجتمع المدني كما حددها الباحث أماني قنديل.
ـ الركن الأول: ويقتضي توفر إرادة الفعل الحر والطوعي، لذلك فالمجتمع المدني يختلف عن الجماعات القرابية مثل الأسرة والعشيرة والقبيلة، والتي لا دخل للفرد في اختيار عضويتها.
ـ الركن الثاني: وهو أن المجتمع المدني مجتمع منظم، يساهم في خلق نسق من المؤسسات والاتحادات التي تعمل بصورة منهجية خاضعة في ذلك لمعايير منطقية ولقواعد وشروط وقع التراضي بشأنها.
ـ الركن الثالث: وهو ركن أخلاقي سلوكي ينطوي على قبول الاختلاف والتنوع بين الذات والآخرين، وعلى الالتزام في إدارة الخلاف داخل، وبين مؤسسات المجتمع المدني، وبينها وبين الدولة، بالوسائل السلمية، وفي ضوء قيم الاحترام والتسامح والتعاون والتنافس والصراع السلمي.
إن هذه القيم والمبادئ العامة، إذا ما ترسخت داخل مجتمع معين، لا بد أن تسمح بانبعاث مجتمع مدني قوي وفعال ينقذ المواطن الفرد من عزلته، ويضع أسسا واضحة للتعامل والتفاعل مع الدولة على قاعدة قانونية ودستورية وقع الإجماع عليها من طرف أغلب القوى والتيارات والتشكيلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.